مستقبل الإعلام في الوطن العربي ... الصحافة الاستقصائية (2)

يقوم الإعلام في وطننا العربي على عدة محاور هامة تشكل في مجملها عوامل مؤثرة وبشدة في مجرى الأحداث العامة والمتغيرات التي يمر بها عالمنا العربي. فنحن أمام  رغبة شديدة في تغيير شامل في الإعلام العربي نحاول من خلاله رسم مستقبل زاهر للمنطقة انطلاقاً من إعلام قوي ومؤثر وحاسم في القضايا الخلافية على الساحة، ونحاول من خلاله كذلك إنهاء الانقسام المجتمعي ولم الشمل العربي. فالهدف الأسمى من الإعلام يجب أن يكون واحدًا هو النهوض بالمجتمع والحفاظ على ثقافتنا وتراثنا والنهوض بأمتنا العربية نحو آفاق جديدة مستقبلية تحمل بين طياتها الشفافية والمصداقية وتعزز الروابط بين السلطة والمواطنين، بل إن الإعلام العربي يجب أن يكون حجر الأساس في علاقة قوية متكاملة بين الشعب والسلطة. 
تعتبر الصحافة الاستقصائية محور حديثنا في هذا المقال فرعًا هامًا من فروع الصحافة العالمية منذ أكثر من نصف قرن في العالم الغربي، لكنها في عالمنا العربي مازالت طفلاً يحبو وينشد حيزًا أكبر في الوجود والتأثير. لقد عُرفت الصحافة الاستقصائية أو صحافة التقصي على أنها مصطلح يعني تتبع الأثر، فالاهتمام الرئيسي لهذا النوع من الصحافة هو البحث والتنقيب حول قضية أو موضوع ما، والغوص في أعماقه لمعرفة ما وراء المعلومة وأسبابها وملابسات حدوثها. ويصف رئيس المركز الدولي للصحفيين مفهوم الصحافة الاستقصائية على أنه: "سلوك منهجي ومؤسساتي صرف، يعتمد على البحث والتدقيق والاستقصاء حرصاً على الموضوعية والدقة وللتأكد من صحة الخبر، وما قد يخفيه انطلاقاً من مبدأ الشفافية ومحاربة الفساد، والتزاماً بدور الصحافة كمراقب على السلوك الحكومي، وكأداة لمساءلة المسئولين ومحاسبتهم على أعمالهم، ووفقاً لمبادئ قوانين حق الاطلاع وحرية المعلومات". أما المديرة التنفيذية لـ «إعلاميون عرب من أجل صحافة استقصائية - أريج» رنا صباغ فتصفها بقولها "إن الصحافة الاستقصائية أفضل طريقة للوصول إلى قلب الحقيقة والخروج من دائرة التأثير المبرمج الذي يتم ضمن حلقات صناعة الإعلام وتمرير المعلومات". وتضيف قائلة "الصحافة الاستقصائية تكشف التجاوزات والممارسات الخاطئة وتُفعل مبدأ المحاسبة والمساءلة بما يؤدي مبدئياً إلى تصويب الأوضاع". 
يتضح من الوصف السابق أن الصحافة الاستقصائية تعتبر نوعًا مختلفًا من الصحافة المتعارفة والمتداولة، وأن هذا النوع يختلف كثيراً وبكل تأكيد عن التحقيق الصحفي المعروف، وإن بدا أنه انعكاس له، ففي حقيقة الأمر يعتبر التحقيق الصحفي شكلًا من أشكال الصحافة الاستقصائية إن صح التعبير. فالتحقيق الصحفي مفهوم يعبر عن التحري والبحث والاستقصاء في واقعة أو حادث أو مشكلة، ومعرفة أسبابها ودوافعها، والاستماع إلى كل الآراء حول تلك الواقعة ثم الوصول في النهاية إلى حكم يلخص نتائجها. التحقيق الصحفي يجمع المعلومات والبيانات التي تخص حدثاً ما ويحاول أن يزاوج بينها ليصل إلى حل يمكن أن نراه صالحاً للمشكلة أو القضية التي تم طرحها، فهو يتسم بالواقعية والآنية حتى لو كان الموضوع تاريخيًا.
الشاهد أن التحقيق الصحفي لا يطرح الموضوع طرحاً عادياً، بل يقوم على تفسيره وتحليله وتحري دقة وصحة معلوماته، فهو أداة للسعي نحو اليقين في الأمر ومحاولة سبر أغواره ثم المساهمة في علاج تأثيره على المجتمع سواء كان محلياً أو دولياً. أما الصحافة الاستقصائية فتختلف عن التحقيق الصحفي من حيث إنها تبحث عن الموضوع أو القضية بمزيد من التحقيق والاستقصاء وتأكيد المعلومات، وهذا يتطلب فترة طويلة نسبياً من الزمان، فالتحقيق في الأمر لا يكون عادياً بل قد يكون متشعبًا ومترابطًا ويتطلب الكثير من الوقت قد يصل إلى سنوات طويلة وزمن آخر. فالهدف من الصحافة الاستقصائية هو تقديم خدمة أكبر للمجتمع والصالح العام وليس فقط تقديم حلول أو تبرير لواقعة أو حدث ما. فالهدف من الصحافة الاستقصائية أن تلعب دوراً رقابياً على السلطة وتضعها موضع المساءلة، وأن تكون انعكاسًا لمعنى وفكرة أن الصحافة هي الهرم الرابع في السلطة بعد التشريعية والتنفيذية والقضائية. وتعتبر الصحافة الاستقصائية طريقة علمية منهجية في البحث من خلال الاعتماد على وضع فرضية ما، واختبار مدى صحتها، والتأكد من حقائقها، لتصل في النهاية إلى تحسين أداء السلطة التنفيذية، وإحداث تغيير ملموس ومؤثر في المجتمع، وهو التأثير الذي يمكن أن يؤدي في بعض الأحيان إلى تغيير القوانين وتصحيح أخطاء فادحة في المجتمعات.
إن أهم وأشهر نماذج الصحافة الاستقصائية التي غيرت في الشأن الدولي فضيحة ووترجيت التي تسببت في استقالة الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون عام 1974 التي قادها الصحفي الاستقصائي الشهير بوب وودورد في جريدة واشنطن بوست. أما في عالمنا العربي فأشهرها فضيحة الأسلحة الفاسدة التي تم توريدها إلى الجيش المصري أبان مواجهته مع الجيش الإسرائيلي في فلسطين عام 1948 والتي فجرها الصحفي إحسان عبد القدوس.
أهمية الصحافة الاستقصائية
تمثل الصحافة الاستقصائية أعلى مراتب المهنية الإعلامية وأصعبها، فهي التي تحدد قوة ومكانة الإعلام في أي مجتمع، وهي تجسيد لدور السلطة الرابعة في المجتمع. وهي النوع الوحيد القادر على تقديم رؤية صحافية بحثية مختلفة، ولا تستطيع وسائل الإعلام الأخرى أن تقدمها، حيث إنها جزء من العمل الرقابي التخصصي الذي يمكن أن يصنع رأيًا عامًا بين الجمهور.
تنبع أهمية الصحافة الاستقصائية من أنها تكشف الفساد وتواجه الممارسات غير القانونية، في محاولة لدرء الأخطار، وأداة للوصول إلى الحقيقة والوصول بنا إلى فهم عمق الحدث. إن الصحافة الاستقصائية تعتبر أيضا بوابة مهمة لفتح التحقيقات في جرائم الفساد عموما، والفساد المالي بشكل خاص، وكذلك الاستغلال الإداري لمواقع مهمة في الدولة لمصالح شخصية أو لمصلحة جهات خارجية. وبالتالي تعتبر الصحافة الاستقصائية مصدرًا توثيقيًا جيدًا للمعلومات وقاعدة بيانات هامة. فهي بكل تأكيد نموذج ناجح لصحافة العمق، التي يمكن أن تصنع مستقبلًا مختلفًا، وتؤثر في النهايات والنتائج، وأن تكون أداة لتحسين الأداء الحكومي على مستوى العالم.
يمكن أن تلعب الصحافة الاستقصائية دوراً محورياً هاماً في عالمنا العربي، فيكفي أنها نوع الصحافة الذي ينفرد بأسلوب مختلف ومؤثر والقادر على سبر أغوار قصص المجتمع العربي قديماً وحديثاً، وتحاول كشف النقاب عن أحداث تاريخية امتد أثرها حتى وقتنا الحالي. ولأن العالم العربي ساحة إقليمية لصراعات لا تنتهي بين الدول الغربية حول مصالحها، نستطيع أن نستشعر أهمية الصحافة الاستقصائية كونها أداة هامة للبحث بمزيد من العمق والتحليل للمشاكل الاجتماعية التي تُمزق أوصال المجتمع العربي، بسبب الغزو الفكري، واستفحال الفساد السياسي والأخلاقي، وانتشار المذاهب القائمة على الانقسامات الدينية والعرقية وعلى مختلف الأطياف.
معايير وقواعد الصحافة الاستقصائية
تتشابه معايير الصحافة الاستقصائية مع المعايير العامة للصحافة، وإن كانت تختلف عنها من حيث مقتضيات طبيعة عملها الدقيق، فمراعاة الدقة والوضوح، مع احترام خصوصية حياة المواطن والأديان والعقائد من المعايير الهامة، وأضف إلى ذلك أيضاً احترام اختلاف الآخر وكفالة حق الرد، والحفاظ على سرية مصادر المعلومات.
إن للصحافة الاستقصائية قواعد يجب الالتزام بها، من حيث انتقاء الموضوع، وقيمته، وأثر التعمق فيه على النتائج، وكذلك قدرة الصحفي على الإلمام بكل التفاصيل الدقيقة بالموضوع، وكذلك قدرته على جمع الحقائق الخفية ذات الصلة، والتأكد من صحتها، وربط المعلومات بعضها ببعض، حتى تتشكل الصورة النهائية الكاملة. من المهم في الصحافة الاستقصائية أن لا يعتمد الصحفي على مساعدة خارجية في بحثه، ولا حتى أن ينتظر المساعدة في هذا الشأن من الآخر، والاعتماد بشكل أساسي على الأدلة المتعددة الحقيقية والملموسة فقط، وأن يعمل أيضاً على جمع الأدلة التي تدعم هذه الحقائق، وأن يكون لديه إدراك لأهمية حقيقة أنه لا يجوز له تسجيل أي معلومات في إطار القضايا الهامة دون موافقة المصدر، أو علم الجهات الأمنية من أجل حمايته إذا اقتضى الأمر، وأن يدرك كذلك أنه لا يحق له تحت أي مسمى أن يقوم بالتعدي على حريات الآخرين الملكية كدخول مبني دون إذن، أو غيرها من التعديات التي قد يعتقد الصحفي أنها مباحة في سبيل قضية ما، فهو يجب أن يبتعد كلية عن الأساليب الغير أخلاقية للحصول على المعلومات.
من المهم أن نشير هنا أيضاً إلى أن الصحفي الاستقصائي يشترك مع الباحث العالم في عدة نقاط أهمها أن كليهما يستندان في بحثهما أولاً على التشكيك في المعلومة لأنها أول سبيل للتحقق، ثم مطابقة المعلومة بالوثائق، حتى إذا ما حدث وتتبع شخص آخر نفس الخط بشكل مختلف يصل لنفس النتيجة، فالصحفي المختص بهذا الفرع من الصحافة يتميز عن غيره من الصحفيين بالقدرة على إثارة القضية بناء على شكه الذي يدفعه لدراسة كل الملاحظات الخاصة بهذه القضية، وأن يحاول أن ينتقي أبسط الطرق للوصول إلى الحقيقة الكاملة مهما تكلف من جهد ووقت.
التحديات والمعوقات التي تواجهها الصحافة الاستقصائية
إن دور الصحافة الاستقصائية هام ومحوري، ويعبر عن شفافية يفتقدها العالم في مواطن كثيرة، ولأنها تعتبر صحافة العمل الجاد والمرهق، نجد أن الصحفي الاستقصائي مُعرض للخطر في كل دقيقة يحاول فيها أن يصل إلى المعلومة، ويجري وراء الحقيقة.
وفي الواقع تواجه الصحافة الاستقصائية في عالمنا العربي الكثير من التحديات والمعوقات، من أبرزها بكل تأكيد افتقادها للحماية الأمنية في كل خطوة. إن أبسط ما يمكن أن يتعرض له الصحفي في هذا المجال هو التهديد المباشر أو غير المباشر وعدم وجود حماية له، إن البحث عن الحقيقة أمر مكلف جدا وعواقبه كبيرة، فأصحاب المصالح لن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام محاولات الصحفي الدؤوبة للوصول إلى الحقيقة، والمعلومة الموثقة، والتحري الدقيق، مهما كانت خطورة الطريق للوصول إلى هذه المعلومات أو صعوبتها، الذي قد يعتبر في بعض الأوقات نوعًا من أنواع المغامرة الغير محسوبة النتائج. من جهة أخرى، يجب أن نشير أيضاً إلى أن هناك عوامل أخرى بسيطة، لكنها مؤثرة في عمل الصحافة الاستقصائية، كضيق الوقت، وعدم وجود ميزانية كافية للسفر، والسعي وراء الحقيقة، هذا إلى جانب الإرهاق والخوف من الفشل والدعاوي القضائية التي قد تنتج عن هذا التقصي والبحث. ناهيك عن عدم وجود قوانين للنشر في عالمنا العربي، وعدم تجاوب الأنظمة الحكومية معظم الوقت مع مواد النشر والحقائق.
بالإضافة إلى كل ما سبق، يعاني عالمنا العربي أيضاً من عوامل أخرى أكثر تحديا، أهمها بكل تأكيد نقص الكفاءات الصحفية المختصة، وعدم وجود الوعي الكافي للطبيعة المرهقة لهذا النوع من الصحافة. وكذلك عدم وجود مؤسسات صحفية تهتم أو تختص بهذا النوع من الصحافة، وخصوصاً أن هذا النوع من الصحافة يختلف بشكل كبير مع توجهات الصحف العربية، التي لا يمتلك أغلبها سياسة إعلامية تحريرية أو فنية واضحة المعالم، وكثير منها يكون رسميًا وتابعًا للدولة. بالإضافة إلى غياب القضايا الأهم لصالح قضايا ومشكلات هامشية، أو طائفية، أو لا تعكس بصدق نبض المجتمع، هذا إلى جانب صعوبة الحصول على معلومات ومستندات لدعم العمل.  وبالتأكيد لا ننسى أن نذكر نظرية المؤامرة التي تهيمن على العقل العربي طوال الوقت، وتمنع من الوصول إلى الحقيقة، وإن حدث وتم التوصل لها يكون الشك الذي لا ينتهي أول معالمها.
مستقبل الصحافة الاستقصائية في الوطن العربي
هل يمكن أن يكون هناك مستقبل للصحافة الاستقصائية في الوطن العربي في ظل ما سبق من معلومات؟ سؤال يصعب الإجابة عليه لارتباطه بعوامل مختلفة، ولكن يمكن القول إن هناك مؤشرات واعدة في هذا الصدد.
إننا فيما سبق ذكرنا أن أهم أدوار الصحافة الاستقصائية هو دورها الرقابي على الأداء الحكومي وعلى المجتمع، حيث إن هذا الدور يبعث على التغيير، وتحسين الأوضاع الحياتية إلى الأفضل، وبالتالي خلق بيئة إبداعية تقوم على منهج قويم. وتحتاج الصحافة الاستقصائية إلى بيئة ديمقراطية تتسم بالشفافية والعدل وإعلاء الحق حتى تتحقق النتائج التي تصبو إليها.
ولكن تعاني المجتمعات العربية حالياً من نقص هذا الجو الديمقراطي وتصارع من أجل البقاء، وفي الصراع من أجل البقاء لا أحد يبحث عن الديمقراطية، رغم أنها هدفنا جميعاً في نهاية المطاف، وحتما سنصل إليها يوماً ونجد أنفسنا نستند على أرض صلبة، قائمة على الديمقراطية والعدل، فالحياة لا تكون إلا بتوافر هذين العاملين.
إذن فالوضع القائم حالياً قد لا يصلح لهذا النوع من الصحافة، رغم حاجتنا الماسة إليه، كوسيلة نستطيع من خلالها إرساء قواعد مناخ ديمقراطي هام في مجتمعاتنا، وننهي ظاهرة الفساد التي استشرت وبشدة، بسبب مصالح الغرب التي تقودنا دون شك إلى وضع هذه المنطقة تحت تصرفهم ووفق أهوائهم. ولا ينبغي أن ننسى أبداً أن الحرية هي حجر الزاوية في منهجنا لحياة أفضل، وأن عوامل نجاح الصحافة الاستقصائية يمكن أن تكون هي نفسها الوسائل المساعدة في إرساء الديمقراطية.
تعاني المجتمعات العربية كذلك من عدد من المشاكل الاجتماعية التي تحتاج إلى الصحافة الاستقصائية لتلعب دور الباحث، وتحديد حجمها، وطرق التعامل معها، والتوصل إلى علاج بناء على نتائجها ومسبباتها، وبالتالي فإن مستقبل الكثير من مشاكل الوطن العربي سيتغير في حال إقرارنا بأهمية دور الصحافة الاستقصائية لغد أفضل. ولذلك نجد أن هناك عدة أمور هامة يجب أن نستند إليها في نهضة هذا النوع من الصحافة، وتطوير ذلك الفرع الإعلامي الهام في المنطقة منها:
·        سن قوانين للنشر تحمي الصحفيين الذين يعملون في هذا المجال بالتحديد، ووضع التشريعات التي تؤكد حق الصحفي في الحصول على المعلومة، وأن نوفر لهم حماية تشريعية تمكنهم من التعامل مع الهيئات العامة والحيوية في كل الدول، أو على الأقل الحصول على موافقات من لجان قانونية دولية معترف بها للتعامل في قضية ما.
·        التزام أقصى درجات النزاهة والالتزام واحترام أخلاقيات المهنة "لا تسرق الوثائق ولا تكذب وتفتري المعلومة، لا تنتحل شخصية غير شخصيتك الصحفية، ولا تدفع أي أموال للحصول على المعلومة".
·        أن يتم تدريب الكوادر العربية الواعدة صحفياً وأمنياً وفكرياً ومنهجياً، من حيث الأهداف والدوافع، وطرق معالجة المشاكل، والوصول إلى المعلومة الموثقة، واحترام مهنية الصحافة والأخلاق الأدبية التي تقوم عليها، من خلال دورات قصيرة ومكثفة بالتعاون مع الصحفيين المختصين في هذا المجال.
·        يتم إدراج هذا النوع المتخصص من الصحافة في الجامعات والمعاهد العربية بشكل منفرد، ووضع منهج إبداعي للعمل يرتكز على مزاوجة معايير الحرفية والدقة والموضوعية، والاستفادة من التغيرات التي تطرأ على الواقع العربي سياسياً واجتماعياً والتعامل معها.
·        أن يتم وضع اتفاقيات بين الأجهزة الأمنية والصحفية حول تبادل المعلومات.
·        زرع الحس الوطني والأخلاقي كضرورة للعمل في هذا المجال.
·        وضع بنود تحكم طريقة التعامل بين الصحافة الاستقصائية والمؤسسات والهيئات الحكومية.
·        يجب الإقرار بأهمية الصحافة كسلطة رابعة والعمل على تتويجها في هذه المكانة والاحتفاء بها وتشجيع دورها.
·        إنشاء مؤسسات صحفية ذات منهج صحفي وأسلوب تحريري وفني محدد، ووضع آليات للتعامل مع الخبر والمعلومة، كذلك نشر الوعي بأهمية تعاون الجمهور مع الصحافة وإدراك دورها الحيوي دون خوف أو تزييف للحقائق، وتحري الدقة والصدق في تناول القضايا الهامة مع إنشاء قسم خاص للصحافة الاستقصائية، وفرق عمل لها، والابتعاد بشكل كلي عن المصالح الخاصة.
في النهاية نؤكد أن مستقبل الصحافة الاستقصائية في الوطن العربي والإعلام قائم على نجاح إقامة مناخ ديمقراطي حقيقي والتمتع بحرية التعبير، وتغيير الفكر الصحفي الحالي في التعامل مع مشاكل المجتمع، والعمل بجد واجتهاد ومثابرة لخدمة الصالح العام. ولكي نصل إلى النتيجة المرجوة، يجب أن نوفر للصحافة الاستقصائية إرادة سياسية فاعلة تبحث عن التغيير والتطوير، وأن نوفر لها الجديد دوماً في التكنولوجيا الإلكترونية، والتدريب المستمر للصحفيين، وتأمين المعلومات الموثقة بغية الوصول للحقيقة، ونشر ثقافة التعددية الفكرية بما يتفق مع مفهومها الحضاري وتاريخنا الثقافي، والعمل على استيعاب المجتمع لهذا النوع من الصحافة، والتعامل معها بسلاسة ووعي. إن التنمية الحقيقية للمجتمع ستنبع من إدراك أهمية هذا النوع من الصحافة في التعامل مع الحقيقة، وبسط نفوذها على المجتمع كجزء لا يتجزأ من واقعه ومستقبله، وإدراك أن الصحافة الاستقصائية قد تكون أحد معاول تنفيذ هذا الفكر.
ولا يسعني في النهاية ولا أجد أفضل من قول جابرييل جارسيا ماركيز الروائي والصحفي الكولومبي لأنهي به هذا المقال والذي عبر من خلاله عن جوهر الصحافة الذي اختفى:

”الاستقصاء ليس فرعاً من الصحافة بل إن كل الصحافة يجب أن تكون استقصائية بالتعريف“

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

المنظمات الدولية والإقليمية بين وجودها التاريخي ومستقبلها المأمول

طريق الحرير .. استراتيجية القوة الناعمة